تحدثت مقالة نشرتها صحيفة هآرتس الصهيونية قبل أيام عما أسمته “تحالفاً أبدياً” بين تل أبيب وطهران، وإن كان كاتب المقالة يتحدث عن القضية من زاوية مواربة تنطلق -بزعمه- من حاجة كل من الطرفين للآخر والمتاجرة بالعداء له للهروب من مآزقه الداخلية.
غير أن التحالف فعلي وليس ظرفياً وهو قديم وليس حديثاً إذ يرجع إلى الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988م، عندما كان الصهاينة يغدقون السلاح على جيش الخميني في الخفاء ثم جاءت فضيحة إيران/كونترا لتفضح المستور وتؤكد تعاون الجانبين اللذين يدعي كل منهما أن الآخر هو عدوه الرئيسي!!
وفي فترة التحضير الراهنة للانتخابات الرئاسية الأمريكية، تتضاعف أهمية الكلام عن العلاقات الوطيدة بين نظام ملالي قم وكل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة -التي يسميها إعلام التقية الصفوي: الشيطان الأكبر-، وذلك أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما -مرشح حزبه الديموقراطي- المراهن على الدور الإيراني والتحالف الإستراتيجي معه، يوحي عبر تسريباته الاستخبارية بأنه يقدم سوريا هدية مجانية لملالي قم في مقابل تخليهم عن إنتاج سلاح نووي؛ لكن هنالك وقائع تدل على أنه يسعى إلى فوز أحفاد أبي لؤلؤة المجوسي بالـ”جائزتين” معاً.
ولنبدأ باستمرار الملف النووي في متاهة مفاوضات عقيمة تتيح للملالي منذ سنوات كسب الوقت ومنح فرص إضافية لبشار لتصفية الثورة وتيئيس الشعب السوري لكي يستسلم أو يرمي نفسه في حضن القاعدة فتنحرف الثورة عن مسارها انحرافاً جذرياً وقاتلاً!!
أما منافسه مرشح الجمهوريين ميت رومني فهو -بحسب برنامجه الانتخابي- مختلف نسبياً عن توجهات أوباما حتى الآن؛ إذ إنه يدعو صراحة إلى إسقاط بشار من خلال تسليح الجيش السوري الحر من دون تدخل عسكري غربي إلا إذا استخدمت عصابات الأسد أسلحة دمار شامل (كيميائية أو حيوية”بيولوجية”) لكن الأجهزة المخابراتية تؤيد رؤية البيت الأبيض وتحض على المُضِيّ في التحالف الذي أسسه بوش الإبن مع الرافضة منذ غزوه للعراق؛ ويقوم على مد النفوذ الصفوي إلى المشرق العربي كله لتسييج الكيان الصهيوني بحماية بعيدة المدى من خلال تحالف أقليات تتزعمه الدولة الصفوية التي لا ترى في المسلمين بعامة والعرب منهم بخاصة عدوها الوحيد وليس عدوها الأول!
وهنا قد ينخدع البعض بالتباين الظاهري بين العم سام وربيبته الصهيونية بالرغم من أنه ينحصر في الموقف من السلاح النووي الإيراني؛ فواشنطن تجزم بأنه سيكون وسيلة لإخضاع العالم العربي فاقد الوزن، بينما يتخوف اليهود من توجيهه إليهم؛ ليس في ظل نظام ولاية الفقيه فهم مطمئنون ما دام خامنئي وأشباهه يسيطرون على إيران؛ لكنهم لا يتجاهلون احتمال سقوط الآيات أمام ثورة شعبية يكمن جمرها تحت رماد الثورة الخضراء التي جرى قمعها بقسوة عقب تزوير الانتخابات الرئاسية لمصلحة نجاد.
فالأمريكيون بعكس حلفائهم اليهود يراهنون على أن الملالي نجحوا في وأد الثورة إلى غير رجعة.
والمفارقة التي لا تخطر إلا في رؤوس الشياطين -كبيرها وصغيرها- هي أن نتنياهو قد يتطوع بتسديد ضربة عسكرية لإيران لإنقاذ نظامها المقيت!!
والرافضة أثبتوا دائماً أن السيطرة على الآخرين أغلى عندهم من أي دمار يلحق بالناس حتى لو كانوا من أتباعهم. ولعل كارثة 2006م التي تسبب بها حزب اللات للبنان بعامة وللشيعة بخاصة -وهم جمهور!!- كانت عملاً مدروساً لتعزيز مواقف طهران دولياً ولوقاية بشار من المحكمة الخاصة بلبنان لملاحقة قتلة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري!!
المشكلة أن العرب أثبتوا عجزاً مؤلماً وسلبية مرعبة أمام المخطط الصفوي الذي يتمدد بصلف على مرأى منا ومسمع، في حين نكتفي بالمواقف الإعلامية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
فهلا امتلكنا مشروعاً عربياً متكاملاً يستطيع بيسر كبح جماح هؤلاء الأعداء الحاقدين عند حدهم، لأن قوتهم البارزة اليوم ليس لها سوى سبب واحد هو: غياب إستراتيجية عربية حقيقية!! فالعرب أقوى في كل شيء معنوياً ومادياً ولا تنقصهم سوى الإرادة الصادقة والرغبة الفعلية في التعاون الجاد في ما بينهم، على الأقل في حماية الأمن القومي العربي.