مدخل إلى تاريخ الماسونية في المغرب ذ. طارق الحمودي

 

 

تعد الماسونية واحدة من الحركات السرية الباطنية المعاصرة في شكلها، القديمة في أصلها، وهي منظومة متشعبة الأطراف، ولها في العالم انتشار واسع، ومحافل شبه معابد، ومعلوم عنها توغلها في كثير من المؤسسات الدولية بالحكومات، وانتهاء بالمؤسسات التعليمية.

وقد كثرت الدراسات عنها بين مبالغ ومقتصد ومحقق، وقد تخصص قلة من الأكاديميين في تتبعها وعرض حقيقتها وتحليل طبيعتها، وعليهم المعتمد في هذا، لركونهم إلى الوثائق والشهادات والمتابعات المباشرة.

وقد صارت كثير من الحقائق اليوم بادية ومتوفرة بين يدي الباحثين، وليس من شك في كونها حركة باطنية سرية ترجع أصولها إلى فكر باطني عريق عتيق، ولست معنيا كثيرا ببيانه، فلذلك مواضع أخرى، لكن يهمني هنا الحديث عن شيء من تاريخ الحركة الماسونية في المغرب وفرنسا وإسبانيا لاعتبارات تاريخية، ويهمني أيضا التحقق من علاقتها بالحركات الباطنية الأخرى كالعلمانية والشيطانية، وقد كانت نتيجة البحث مثيرة حقا.

بعد استقرار الاحتلال الفرنسي والإسباني في المغرب، انتشرت المحافل الماسونية في منطقتيه، وتثبت التقارير والدراسات وجود حركة ماسونية واسعة في المغرب إبان الاحتلالين، ولعل من أفضلها ما نشره «Manuel de Paz» من جامعة «La Laguna» عن الماسونية في شمال أفريقيا بين سنتي 1923 و1936، والتي بين فيها طبيعة الماسونية في المغرب وجغرافية المحافل الماسونية فيها وأنواع المنتمين إليها، وخلاصة ذلك أن المحافل الماسونية وجدت حينها في تطوان  وطنجة والعرائش والقصر الكبير والشاون والحسيمة وسبتة ومليلية والدار البيضاء وفاس، وانتمى إليها نصارى ويهود ومسلمون، وهذا أمر مثير جدا، خصوصا إن وازاه سؤال عن استمرارية هذه المحافل أو استمرارية الفكر الماسوني في المغرب بعد الاستقلال! فإن كان الأمر كذلك، فما هي صوره وتجلياته، وما هي امتداداته؟

لست أخفي أنني تعرضت أثناء البحث لمفاجآت كثيرة، كان أكثرها إثارة تلك المتعلقة بالعلاقات بين الحركات الباطنية، وتولت الشواهد والأدلة تثبيت وتقرير محمولاتها، وكانت العلاقة بين الماسونية والشيطانية والسحر والتصوف الباطني والعلمانية أخطرها من الناحية العلمية.

يعد «Ricardo de la Cierva» أحد أكبر المؤرخين الإسبان والمتخصصين في الماسونية، وله مؤلفات جادة في ذلك، ولعل ما يهمني منها لما احتواه من معلومات جديدة كتابه «Masoneria,satanismo y exorsismo»، وتكمن أهميته في ربطه بين الفكر الشيطاني وممارساته وبين الماسونية، وهو أمر جدير بالمتابعة لخطورته، فما هي العلاقة بينهما؟

من المعروف أن النظام الماسوني يقوم على تراتبية في العضوية، ينتقل فيها العضو من مرتبة إلى مرتبة عند التأهل، ويعد المتخصصون في الماسونية المرتبة الثالثة والثلاثين المرتبة الأكثر إثارة، والتي ينالها القلة القليلة من نخبة الماسونيين، وهي المرتبة التي خصها ريكاردو دي لا سييرفا، فقد قرر بعد وقوفه على شهادات ماسونيين أن هذه المرتبة تطابق أعلى مراتب الفكر الشيطاني!

تعد الثورة الفرنسية أشهر الثورات السياسية والاجتماعية والفكرية في العالم الغربي، بسبب كونها نقطة تحول كبرى في الحياة الفكرية الأوروبية، ولما نتج عنها من تحول سياسي أدى إلى أحداث كبرى في العالم، وقد اتكأ عليها الفكر التنويري تاريخيا وانطلق منها، لكن أحد السياسيين الفرنسيين المعاصرين يشذ عن جمهور النخبة الفرنسية زاعما أن الثورة لم تكتمل، وأنها أخرجت عن مسارها مع حقائق أخرى كشفها وزير التربية الوطنية الفرنسي الأسبق «Vincent Peillon» في كتابه «La Revolution française n’est pas terminée».

وتقوم فكرة الكتاب على أن الثورة الفرنسية كانت ثورة مادية أهملت الجانب الروحي، فاحتاج الفكر الفرنسي إلى أن يجعل فيها شيئا ما في مقابل السطوة الروحية للكنيسة، فصَنع العلمانية في المحافل الماسونية، وأخرجها على أنها ديانة وحدوية تجتمع فيها كل الديانات في مقابل الديانة النصرانية، وخلاصة هذا خطيرة أيضا، وهي أن العلمانية صناعة ماسونية، والسؤال، أي المراتب تكلف بصناعتها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *