الوضع الحالي في المغرب وضع شاذ لا ينسجم أبدا مع عقلية المغاربة ونفسيتهم ولا مع مركزهم الحقيقي في العالم “اتفاقية فاس” يجب تعديلها باتفاقية أخرى في الرباط وللشعب المغربي وحدته الكاملة وحقوقه الطبيعية*

في مثل هذا اليوم منذ ثمان وثلاثين سنة أعلنت الحكومة الفرنسية خبرا خطيرا اهتزت له أرجاء العالم في مشارق الأرض ومغاربها، وانفعل له العرب والمسلمون في أقطار الأرض انفعالا سيئا عنيفا، ألا وهو خبر التدخل الأجنبي في المملكة المغربية المعروفة بشدة الشكيمة، ورسوخ الإيمان، والعراقة في الحرية والاستقلال، وقد كانت مملكة المغرب آخر مملكة إسلامية صانت استقلالها وحفظت كرامتها، وبقيت حية عاملة في المجتمع الدولي الذي لم تودعه إلا مكرهة وعلى غير رضى، منذ انتهاء مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906م.

والواقع أن المغاربة على العموم، رغما عن مرور هذه السنوات في التدخل الأجنبي داخل بلادهم، لم يستطيعوا أن يهضموا هذا التدخل، ولا أن يألفوه ويطمئنوا إليه، فهم منه في حسرة وكرب وضيق، وهم مع أنفسهم ومشاعرهم من أجله في كفاح داخلي مستديم، والحق أقول إنه وضع شاذ لم ينسجم مع العقلية المغربية، والنفسية المغربية، والنخوة المغربية، وما من مغربي مغربي إلا وهو يتساءل صباح مساء، في مرارة ومضض، هذه الأسئلة المحرجة: هل ليبيا أفضل من المغرب؟ هل شرق الأردن أفضل من المغرب؟ هل اليمن أفضل من المغرب؟ هل سوريا ولبنان أفضل من المغرب؟ هل المملكة السعودية أفضل من المغرب؟ هل شعب أفغانستان أرقى من شعب المغرب؟ وهل يوغوسلافيا أولى بالحرية من المغرب؟ وهل أهالي المكسيك وغواتيمالا وكوبا أجدر بالاستقلال من المغاربة؟ كيف يقضى على دولة عريقة في الاستقلال، وعلى حرية شعب أصيل في الحرية، في نفس الوقت الذي تمنح فيه الحرية لمن هم أقل استعدادا وأحدث عهدا بالوجود الدولي؟ هل يعقل أن يصبر المغاربة على هذا الوضع الشاذ الغريب طويلا، والعالم كله يتطور من حولهم حتى في مجاهل افريقيا؟ وإلى متى يصبرون على هذا الضيم والتجاهل، وللصبر حد محدود؟ وكيف استطاع ساسة العالم أن يجدوا حلولا مناسبة لأكثر المشاكل السياسة والوطنية في آسيا وافريقيا، ثم عجزوا عن أن يجدوا حلا معقولا لهذه المشكلة المغربية، التي كان يجب أن تكون على رأس قائمة المشاكل الجديرة بالحل والحل السريع؟
لقد كان التدخل الأجنبي في المغرب وتمزيق الوحدة المغربية أكبر حادثة أصيب بها المغاربة في تاريخهم الحديث، وهذه الحادثة الجُـلَّى تسببت لهم في أزمات نفسية وأخلاقية واجتماعية ومادية وسياسية لا تحصى، وليس من الممكن أن يتحمل المغاربة عبأ هذه الحادثة الثقيل إلى ما لا نهاية، فالواجب على الأوساط المسؤولة، التي لها أكبر ضلع في أحداث هذا الوضع الغريب، أن تفيق من نومها وتفتح عينها على الحقائق الواقعية، لتعالج هذه الحالة العلاج المناسب، قبل أن يفوت الوقت ويستعصى الدواء!
ولا علاج لذلك في نظرنا ونظر جميع عقلاء المغرب إلا بتعديل معاهدة فاس التي أعلنت في مثل هذا اليوم من سنة 1912م، على أساس إرجاع السيادة المغربية الكاملة إلى يد صاحبها الشرعي في هذه البلاد، الجالس على عرشها الخالد، وعلى أساس إرجاع الوحدة المغربية إلى كامل التراب المغربي دون تجزئة ولا تقسيم، ولا تدخل أجنبي في هذا القسم أو ذاك، وعلى أساس إعادة الحقوق المغربية إلى أربابها الشرعيين في جميع الميادين، ولن يحول هذا كله دون التعاون في استثمار خيرات المغرب بين المغاربة والأجانب، ولن يقف هذا حجر عثرة في سبيل بقاء المصالح الأجنبية، ونموها داخل البلاد، في الدائرة المعقولة التي يعترف بها القانون الدولي لجميع الرعايا الأجانب، فالدولة المغربية لم تكن في أي يوم من الأيام دولة متعصبة تقفل الباب في وجه التجارة الدولية، والتعاون في الاستغلال والاستثمار برؤوس الأموال الأجنبية، والشعب المغربي لم يكن في يوم من الأيام شعبا بليدا منكمشا على نفسه يرفض التعاون مع الغير، على ما فيه الخير والنفع للجميع، ولكن كل ما هنالك أن المغاربة شعبا وعرشا يريدون استرداد سيادتهم الكاملة، بحيث ترفع عنها كل القيود، وتزول من طريقها كل العراقيل، ويريدون استعادة وحدتهم الترابية الكاملة دون تجزئة ولا تقسيم، ولا تدخل من الغير في شؤونهم الخاصة، حتى يمكنهم أن يعالجوها على أحسن الوجوه وأسرع الطرق، وبالإجمال يريدون أن يشعروا بكرامتهم القومية والفردية كاملة غير منقوصة، كما يشعر بها من هم أقل منهم استعدادا من شعوب افريقيا وآسيا وأوربا وأمريكا. فهل يسمع المسؤولون من “منبر الشعب” كلمة الشعب المغربي، صريحة هادئة متزنة، دون جلبة ولا ضوضاء، ودون مداجاة ولا رياء؟
رئيس حركة الوحدة المغربية الاستقلالية
محمد المكي الناصري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* منبر الشعب، العدد: 198، السنة الأولى ، 11 جمادى الثانية 1369هـ/الموافق 30 مارس 1950م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *